الرقابة على الرسوم المتحركة في الوطن العربي: بين حماية القيم وتقييد الإبداع

 

الرقابة على الرسوم المتحركة في الوطن العربي: بين حماية القيم وتقييد الإبداع

جدل واسع يشهده الوطن العربي حول حدود الرقابة في الكرتون، بين من يراها حماية للهوية ومن يصفها بتكميم الإبداع، فهل وصلت المجتمعات العربية إلى صيغة توازن بين الفن والقيم؟


تشهد صناعة الكرتون في الوطن العربي نقاشًا متصاعدًا حول مفهوم الرقابة على المحتوى، بعد تزايد حالات حظر أو تعديل مشاهد من أفلام عالمية مثل Lightyear من إنتاج ديزني، الذي مُنع في عدة دول عربية بسبب مشهد وُصف بأنه “مخالف للقيم العائلية”. بين من يرى أن الرقابة ضرورة أخلاقية، ومن يعتبرها تضييقًا على حرية الإبداع، يقف المشهد الثقافي العربي في منطقة رمادية معقّدة.

1. من الرقابة الأخلاقية إلى الرقابة السياسية

ليست الرقابة في الوطن العربي جديدة، لكنها تطورت من رقابة سياسية تقليدية إلى رقابة اجتماعية وأخلاقية أوسع. في مصر مثلًا، صرّح مسؤولون بأن بعض الرسوم مثل “توم وجيري” تشجع على العنف لدى الأطفال، ما دفع القنوات إلى مراجعة محتواها. أما في الخليج، فالمعايير تُركّز على منع أي تلميحات تتعارض مع الدين أو العادات.

2. الرقابة كحماية للهوية الثقافية

يرى كثير من المحافظين أن الرقابة ليست عداءً للفن بل دفاعًا عن قيم الأسرة العربية. فالكرتون المستورد من الغرب يتضمن رسائل ضمنية حول المثلية أو الفردانية أو التمرد، وهي مفاهيم لا تتماشى مع البيئة الثقافية العربية. هذا الرأي مدعوم بتقارير مثل مقال الاستقلال الذي دعا إلى إنتاج كرتون عربي بديل يعالج قضايا المجتمع بلغة أخلاقية معاصرة.

3. تراجع الإبداع المحلي تحت ضغط المنع

على الجانب الآخر، يؤكد فنانون عرب أن الرقابة المفرطة تعرقل نمو صناعة الأنيميشن العربية. فالكثير من المشاريع المستقلة تفشل في الحصول على موافقات البث بسبب معايير فضفاضة مثل "الحفاظ على الذوق العام". في السعودية مثلًا، تأخر عرض سلسلة مسامير بسبب مراجعات متكررة حول محتواها الساخر. هذه الحالات، بحسب نقاد، تُفرغ الفن من جرأته وتحوله إلى منتج مكرر بلا روح نقدية.

4. المقارنة مع التجارب العالمية

في اليابان وأوروبا، تتعامل هيئات التصنيف مع الكرتون بطريقة تصنيفية لا تقييدية؛ فبدل المنع الكامل، تُصنف الأعمال بحسب العمر والمحتوى. هذه النماذج أثبتت فاعليتها في حماية القاصرين دون خنق الإبداع. في المقابل، تعتمد بعض الدول العربية على قرارات منع مركزية دون نظام تصنيف واضح، ما يجعل الرقابة أقرب إلى قرار أخلاقي ذاتي.

5. الجمهور العربي بين الحماية والفضول

المفارقة أن منع الأعمال يزيد من فضول الجمهور لمشاهدتها عبر الإنترنت بطرق غير رسمية. عندما تم حظر فيلم “Lightyear”، تصدّر محركات البحث في المنطقة خلال أيام. هذه الظاهرة تكشف أن الحجب لا يمنع الوصول في زمن المنصات الرقمية، بل يدفع الجمهور نحو مصادر بديلة خارج السيطرة المحلية.

6. نحو رؤية متوازنة

الحل لا يكمن في المنع ولا في الانفتاح الكامل، بل في تأسيس هيئات تصنيف عربية موحدة تراعي الخصوصية الثقافية وتمنح المبدعين مساحة للتعبير. فالرقابة قد تكون أداة لبناء وعي إذا مورست بذكاء، وقد تتحول إلى أداة قمع إذا فُرضت بعشوائية. بين الحماية والتكميم، يبقى مستقبل الكرتون العربي مرهونًا بقدرة المجتمعات على تحقيق التوازن بين القيم والإبداع.

المصادر: Hespress, AllGov, Al-Estiklal, Wikipedia.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال

🌸 مواقعنا الأخرى

للمزيد من المحتوى المتنوّع زوروا: